فصل: تفسير الآيات (47- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (45- 46):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}
قوله عز وجل: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نباتُ الأرض} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الماء اختلط بالنبات حين استوى.
الثاني: أن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء حتى نما.
{فأصبح هشيماً تذروهُ الرياحُ} يعني بامتناع الماء عنه، فحذف ذلك إيجازاً لدلالة الكلام عليه، والهشيم ما تفتت بعد اليبس من أوراق الشجر والزرع، قال الشاعر:
فأصبحت نيّماً أجسادهم ** يشبهها من رآها الهشيما

واختلف في المقصود بضرب هذا المثل على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى ضربه مثلاً للدنيا ليدل به على زوالها بعد حسنها وابتهاجها:
الثاني: أن الله تعالى ضربه مثلاُ لأحوال أهل الدنيا أن مع كل نعمة نقمة ومع كل فرحة ترحة.
قوله عز وجل: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي {البنين} قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا.
{والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثاني: أنها الأعمال الصالحة، قاله ابن زيد.
الثالث: هي الكلام الطيب. وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقاله عطية العوفي.
الرابع: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه. وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات».
وفي {الصالحات} وجهان:
أحدهما: أنها بمعنى الصالحين لأن الصالح هو فاعل الصلاح.
الثاني: أنها بمعنى النافعات فعبر عن المنفعة بالصلاح لأن المنفعة مصلحة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لما عُرج بي إلى السماء أريت إبراهيم فقال: مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقلت وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». {خير عند ربك ثواباً} يعني في الآخرة، {وخير أملاً} يعني عند نفسك في الدنيا، ويكون معنى قوله {وخيرٌ أملاً} يعني أصدق أملاً، لأن من الأمل كواذب وهذا أمل لا يكذب.

.تفسير الآيات (47- 49):

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}
قوله عز وجل: {ويوم نُسَيِّر الجبال} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يسيرها من السير حتى تنتقل عن مكانها لما فيه من ظهور الآية وعظم الإعتبار.
الثاني: يسيرها أي يقللها حتى يصير كثيرها قليلاً يسيراً.
الثالث: بأن يجعلها هباء منثوراً.
{وترى الأرض بارزة} فيه وجهان:
أحدهما: أنه بروز ما في بطنها من الأموات بخروجهم من قبورهم.
الثاني: أنها فضاء لا يسترها جبل ولا نبات.
{وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً} فيه ثلاثة تأويلات.
أحدها: يعني فلم نخلف منهم أحداً، قاله ابن قتيبة، قال ومنه سمي الغدير لأنه ما تخلفه السيول.
الثاني: فلم نستخلف منهم أحداً، قاله الكلبي.
الثالث: معناه فلم نترك منهم أحداً، حكاه مقاتل.
قوله عز وجل: {وعُرِضوا على ربِّك صَفّاً} قيل إنهم يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة، وقيل إنهم يحشرون عراة حفاة غرلاً، فقالت عائشة رضي الله عنها فما يحتشمون يومئذ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «{لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}» [عبس: 37].
قوله عز وجل: {ووضع الكتابُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنها كتب الأعمال في أيدي العباد، قاله مقاتل.
الثاني: أنه وضع الحساب، قاله الكلبي، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة.
{فترى المجرمين مشفقين مما فيه} لأنه أحصاه الله ونسوه.
{ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها}
وفي الصغيرة تأويلان:
أحدهما: أنه الضحك، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها صغائر الذنوب التي تغفر باجتناب كبائرها.
وأما الكبيرة ففيها قولان:
أحدهما: ما جاء النص بتحريمه.
الثاني: ما قرن بالوعيد والحَدِّ.
ويحتمل قولاً ثالثاً: أن الصغيرة الشهوة، والكبيرة العمل.
قال قتادة: اشتكى القوم الإحْصاء وما اشتكى أحد ظلماً، وإياكم المحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه.
{ووجَدوا ما عَملوا حاضِراً} يحتمل تأويلين:
أحدهما: ووجدوا إحصاء ما عملوا حاضراً في الكتاب.
الثاني: ووجدوا جزاء ما عملوا عاجلاً في القيامة.
{ولا يظلم ربك أحداً} يعني من طائع في نقصان ثوابه، أو عاص في زيادة عقابه.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}
قوله عز وجل: {وإذ قلنا للملائكة اسجُدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجنِّ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كان من الجن على ما ذكره الله تعالى. ومنع قائل هذا بعد ذلك أن يكون من الملائكة لأمرين:
أحدهما: أن له ذرية، والملائكة لا ذرية لهم.
الثاني: أن الملائكة رسل الله سبحانه ولا يجوز عليهم الكفر، وإبليس قد كفر، قال الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس.
الثاني: أنه من الملائكة، ومن قالوا بهذا اختلفوا في معنى قوله تعالى: {كان من الجن} على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما قاله قتادة أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجن.
الثاني: ما قاله ابن عباس، أنه كان من الملائكة من خزان الجنة ومدبر أمر السماء الدنيا فلذلك قيل من الجن لخزانة الجنة، كما يقال مكي وبصري.
الثالث: أن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور، قاله سعيد من جبير، قاله الحسن: خلق إبليس من نار وإلى النار يعود.
الثالث: أن إبليس لم يكن من الإنس ولا من الجن، ولكن كان من الجان، وقد مضى من ذكره واشتقاق اسمه ما أغنى.
{ففسق عن أمر ربه} فيه وجهان:
أحدهما: أن الفسق الاتساع ومعناه اتسع في محارم الله تعالى:
الثاني: أن الفسق الخروج أي خرج من طاعة ربه، من قولهم فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من حجرها قال رؤبة بن العجاج:
يهوين من نجدٍ وغورٍ غائرا ** فواسقاً عن قصدها جوائرا

وفي قوله تعالى: {بئس للظالمين بدلاً} وجهان:
أحدهما: بئس ما استبدلوا بطاعة الله طاعة إبليس، قاله قتادة.
الثاني: بئس ما استبدلوا بالجنة النار.

.تفسير الآية رقم (51):

{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}
قوله عز وجل: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض} فيه وجهان:
أحدهما: ما أشهدت إبليس وذريته.
الثاني: ما أشهدت جميع الخلق خلق السموات والأرض.
وفيه وجهان:
أحدهما: ما أشهدتهم إياها استعانة بهم في خلقها.
الثاني: ما أشهدتهم خلقها فيعلموا من قدرتي ما لا يكفرون معه.
ويحتمل ثالثاً: ما أشهدتهم خلقها فيحيطون علماً بغيبها لاختصاص الله بعلم الغيب دونه خلقه.
{ولا خلق أنفسهم} فيه وجهان:
أحدهما: ما استعنت ببعضهم على خلق بعض.
الثاني: ما أشهدت بعضهم خلق بعض.
ويحتمل ثالثاً: ما أعلمتم خلق أنفسهم فكيف يعلمون خلق غيرهم.
{وما كنت متخذ المضلين عضدا} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني أولياء.
الثاني: أعواناً، ووجدته منقولاً عن الكلبي.
وفيما أراد أنه لم يتخذهم فيه أعواناً وجهان:
أحدهما: أعواناً في خلق السموات والأرض.
الثاني: أعواناً لعبدة الأوثان، قاله الكلبي.
وفي هؤلاء المضلين قولان:
أحدهما: إبليس وذريته.
الثاني: كل مضل من الخلائق كلهم.
قال بعض السلف: إذا كان ذنب المرء من قبل الشهوة فارْجُه، وإذا كان من قبل الكبر فلا ترْجه، لأن إبليس كان ذنبه من قبل الكبر فلم تقبل توبته، وكان ذنب آدم من قبل الشهوة فتاب الله عليه. وقد أشار بعض الشعراء إلى هذا المعنى فقال:
إذا ما الفتى طاح في غيّه ** فَرَجِّ الفتى للتُّقى رَجّه

فقد يغلط الركب نهج الط ** ريق ثم يعود إلى نهجه

.تفسير الآيات (52- 53):

{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}
قوله عز وجل: {وجعلنا بينهم موبقاً} فيه ستة أقاويل:
أحدها: مجلساً، قاله الربيع.
الثاني: مهلكاً، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، قال الشاعر:
استغفر الله أعمالي التي سلفت ** من عثرةٍ إن تؤاخذني بها أبق

أي أهلك، ومثله قول زهير:
ومن يشتري حسن الثناء بماله ** يصن عرضَه من كل شنعاء موبق

قال الفراء: جعل تواصلهم في الدنيا مهلكاً في الآخرة.
الثالث: موعداً، قاله أبو عبيدة.
الرابع: عداوة، قاله الحسن.
الخامس: أنه واد في جهنم، قاله أنس بن مالك.
السادس: أنه واد يفصل بين الجنة والنار، حكاه بعض المتأخرين.
قوله عز وجل: {ورأى المجرمون النّار} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم عاينوا في المحشر.
الثاني: أنهم علموا بها عند العرض.
{فظنُّوا أنهم مُواقعوها} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم أمّلوا العفو قبل دخولها فلذلك ظنوا أنهم مواقعوها.
الثاني: علموا أنهم مواقعوها لأنهم قد حصلوا في دار اليقين وقد يعبر عن العلم بالظن لأن الظن مقدمة العلم.
{ولم يجدوا عنها مصرفاً} فيه وجهان:
أحدهما: ملجأ، قاله الكلبي.
الثاني: معدلاً ينصرفون إليه، قاله ابن قتيبة، ومنه قول أبي كبير الهذلي:
أزهير هل عن شيبةٍ من مصرِف ** أم لا خلود لباذل متكلفِ

وفي المراد وجهان:
أحدهما: ولم يجد المشركون عن النار مصرفاً.
الثاني: ولم تجد الأصنام مصرفاً للنار عن المشركين.